تتوالى الاحزان .. وتستمر الآلام بفقدان من نعز .. قبيل ايام فقدت أبي وشعرت بغصة في صدري الملتهب على فقدانه..وصحوت اليوم على فقدان إنسان رائع عشت معه اجمل ايام صباي وطفولتي .. الشريف محمد بن محسن الجعفري قد يكون اسما عابرا لدى البعض لكنه راسخاً في الفؤاد .

لم اكاد أن اجفف دموعي على فراق ابي حتى افجع بوفاة زوج شقيقتي الكبرى.. كان “بهي الشيم ابا محسن” ذا قلب مليء بالمحبة والعاطفة ونفسه تجود بكل شيء عرفته وانا في ريعان الصبا لم اتجاوز العاشرة من عمري تعلوا وجهه ابتسامة مشرقة وصدر رحب لايعرف الحقد والكراهية والتباغض .

كان محمد مثالا للإنسان العصامي الذي بنى نفسه دون ان يعتمد على احدا .. إقترن بكريمتي قبيل اربعين عاما وعاش بيننا لم نرى منه الا التقدير والاحترام والمحبة .

بدأ حياته في السلك العسكري مقاتلا مع الجيش السعودي في حرب 73 على حدود بلاد الشام ضد العدو الصهيوني وحصل على نوط الملك عبدالعزيز ونوط الرئيس السوري في الشجاعة ثم عاد مشاركا في الذود عن الوطن عند حدوده الشرقية .. واستمر به الحال لايتدخل في شؤن احد ولم يؤذي في حياته إنسان .. رغم انه عانى الكثير من الظلم والغربة لكنه إمتاز بالصبر وتحمل المواجع التي عصفت به خلال مراحل حياته .

كان الصمت عنوانه الابدي .. وتسامح قلبه نبراس يقتدي به .. مات ابا محسن كما عاش بصمت ودون ان يعاتب إنسان ..كانت عيناه تحكي الف قصة .. وزفيره يكفي لحرق كل شيء لكنه لايفعل ولا يحبذ ان ينقل الاساءة للاخرين .. كان بمثابة الاب الروحي لي في صباي ..تحمل الكثير من شقاوتي ودافع عني في كثير من المواقف .

اذكر انني كنت مغرم بقيادة السيارة كأي فتى يبحث عن التميز.. وفي ظهيرة يوم قائض اخذت مفاتيح سيارته الوانيت وطفت بها شوارع تبوك وانا لم اكمل الثانية عشر من عمري.. واخذ يبحث عني حتى وجدني عالقا في احد الطرقات وقد عجزت ان اخرج من مأزق الشارع الضيق .

ورغم صعوبة الموقف والخطأ الجسيم الذي فعلته لكنه تلقاني بإبتسامته الجميلة وقد هدأ من روعتي ودافع عني كأخ صغير له .. رحمك الله يامحمد فقد ألمنا فراقك واوجعنا مماتك .. رحل ابا محسن صاحب أروع وأنقى قلب ورحلت معه حكايا الصبر والحب الجميل وقبل كل ذلك .. اليد الكريمة التي إمتدت لتواسى مواجع البعض حتى ممن أذوه في حياته.

رحمك الله يامحمد فقد كنت فينا نعم الأخ الكبير ..وعزاؤنا هو بقاء عترتك الجميلة بيننا “محسن ومعتز ومشاري وكل بناتك العفيفات” أجمل صورة في قلوبنا ولن تندثر .